المواطن/ كتابات – محمد هائل السامعي
تكتسب العلاقات اليمنية – الصينية بُعداً استراتيجياً وتاريخياً لِما تمثله صِلات البلدين والشعبين من تطوّر مُستدام، ونمو متواصل، وشراكة، وتعميق لا ينقطع لجذورها الضاربة أصلاً في أعماق تاريخ الشعبين منذ القِدم، وفي العصر الحديث كانت جمهورية الصين الشعبية أولى الدول التي بادرت مشكورة الى مساعدة اليمن بأهم شريانين حيويين هما طريق صنعاء ــ الحديدة، وطريق عدن ــ المكلا، زد على ذلك بناء الصين للعديد من المشاريع الخدمية والتنموية التي قدّمتها بكين لليمن منذ ما يقارب 63 عاماً وهي مستمرة بتقديم الدعم لليمن حتى يومنا هذا.
وتُشير الأنباء الأخيرة، الى أن اليمن والصين وقّعا إتفاقية للتعاون الاقتصادي والفني، وتضمّنت هذه الاتفاقية منحة مالية قيمتها 60 مليون يوان، مخصصة لدعم تنفيذ مشاريع تنموية ومساعدات إنسانية يتم تفعيلها في اليمن.
يَحكي التاريخ في المراجع الصينية المؤكَّدة، أن العلاقات التاريخية بين اليمن وجمهورية الصين الشعبية هي علاقات متينة وقوية ومتميزة وقديمة، وترجع جذورها إلى عهد الإمبراطور تشو دي عندما أرسل البحار المسلم تشنغ خه على رأس أضخم أسطول تجاري على مدى التاريخ والذي تجاوز أكثر من مائة سفينة ضخمة، بغرض تعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية بين الصين وقارتي آسيا وأفريقيا، ووصولة إلى ميناء عدن عام 1416م، فيما قام الحكّام اليمنيون بالرد على هذه الزيارة بإرسال بعثة إلى البلاط الصيني مع خطاب وهدايا ثمينة إلى إمبراطور الصين أنذاك، وتعزّزت تلك العلاقات بزيارة أربع بعثات يمنية الصين خلال فترة حكم أسرة مينغ ( 1368-1644م) عن طريق تجارة الحرير والبخّور واللّبان البحري الذي ربط الموانئ الصينية بالموانئ اليمنية خلال تلك الفترة، ومازال النصب التذكاري للبحّار الصيني المسلم تشن خه موجود حالياً في عدن شاهداً للعيان على متانة العلاقات التاريخية التي تربط البلدين الصديقين منذ القِدم.
وضمن علاقاتهما الثنائية، شهدت الصِّلات اليمنية – الصينية نقلة نوعية جديدة، إذ وقّع اليمن مع الصين قبل أيام على مذكرة تفاهم للانضمام إلى طريق الحرير الصيني الجديد (الحزام والطريق)، ووفقاً للأنباء السعيدة الراشحة، فقد وقُّع مذكرة التفاهم في العاصمة الصينية بكين عن الجانب اليمني، وزير الصناعة والتجارة، الدكتور محمد الميتمي، وعن الجانب الصيني نائب رئيس اللجنة الوطنية للإصلاح والتنمية، مي نينج. وذكرت الأنباء والاتصريحات، أن “انضمام اليمن يؤسس لعلاقة إستراتيجية جديدة مع الصين، في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية والعلمية والتكنولوجية”، أضف الى ذلك أن الانضمام “سيُحيي العلاقة التجارية التاريخية بين البلدين، باعتبار أن اليمن هو من أقدم الدول عبر التاريخ المنخرطة ضمن طريق الحرير”.
وفي الأنباء أيضاً، أنه ومع استمرار الصين في تحويل اقتصادها الصاعد، تزدهر صناعة الخدمات الصينية، والتي ساهمت (حتى عام 2018) في ما يقرب من 60 بالمائة من نمو الناتج المحلي الإجمالي. والى جانب ذلك، تسعى الصين إلى توسيع صادرات خدماتها، وها هي تبرز عالمياً والى جانب ذلك في سياستها الذكية والانسانية للحد من الفَقر والبطالة من خلال تنمية صناعة الخدمات المنزلية والشخصية والاجتماعية وغيرها، واستحداثها تشغيلات واسعة لسكانها، وما أحوجنا اليوم أن نستفيد من تجربة الصين هذه في موقع يمننا الفريد والمتميز دولياً، وإرسال شبابنا الى الصين للتعلم والاستزادة من علوم الشعب الصيني !
وفي سياقات الزيارة الأخيرة لوزير الصناعة والتجار اليمني، الدكتور محمد الميتمي، على هامش المشاركة في منتدى “الحزام والطريق للتعاون الدولي”، الذي انعقد في العاصمة الصينية بكين، نشعر بالارتياح للقائه مع نائب رئيس الوكالة الصينية للتنمية والتعاون الدولي دنغ بو تشنغ، ومناقشة الوزير الميتمي مع نظيره الصيني مجالات التعاون، ودعوته للجانب الصيني لزيارة اليمن، وإمكانية استجلاب الدعم من الصين الصديقة لمجالات حيوية على طريق إعادة إعمار اليمن وإنعاشه، وتعزيز دور التنمية المشتركة ومشاعر الاحترام المتبادل في قلوب أبناء الشعبين، ولا بد لنا هنا من توجيه تحية أخوية من الشعب اليمني للصين دولة وشعباً، إذ تَنظر الصين لليمن على أنها دولة نامية تحتاج قطاعاتها الخدمية، وغير الخدمية، لتنمية حقيقية ومساعدات ملموسة وواسعة.
ومن الملاحَظ أيضاً، أن المسؤول الصيني أعرب فوراً خلال لقائه مع المسؤول اليمني، عن دعم بلاده لليمن في المجالات الطبية بخاصة، بالمساهمة في تقديم المعدات الطبّية وتدريب وتأهيل الكوادر اليمنية، وتقديم المعونات من المواد الغذائية، ومساندة بناء وتمويل قطاع الكهرباء والموانئ اليمنية من حيث تطويرها وتشغيلها واستدامتها.
وفي مجال العلاقات الثنائية بين اليمن والصين، نؤكد احترامنا الصادق لمواقف جمهورية الصين الشعبية الصديقة تجاه بلادنا اليمن وشعبنا اليمني، إذ أننا نقرأ باستمرار عن أن الصين تُبدي عبر مختلف مسؤوليها، اهتماماً بالغاً بالدعوات اليمنية لاستضافة مختلف الوفد الصينية “في أقرب فرص ممكنة”، وبدون توقف، وفي سبيل العودة على بدء دعم الصين لليمن في مجالات كثيرة، منها الطبية التي يحتاج اليها اليمنيون بشدة، وللمساهمة في تقديم المعدات الطبية المتطورة، وتدريب وتأهيل الكوادر اليمنية، وتقديم الدعم بخاصة من المواد الغذائية، ولأجل بناء وتمويل قطاع الكهرباء والموانئ اليمنية من حيث إعادة تأهيلها وتطويرها وتشغيلها، أو أقامة جديدة أخرى، لتتطابق بمواصفاتها ومتطلباتها متطلبات السفن الصينية التي سوف تمخر عباب المحيط الهندي لتصل الى اليمن وترسو في موانئه، فتنعش صفحات التاريخ الصيني اليمني وعلاقات الدبلوماسية الشعبية والتعاونية والمصاهرة بين الامتين الصينية واليمنية..
…